الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي يتهم أمي بالخيانة ويستهزئ بها عند قيامها بعبادتها!

السؤال

السلام عليكم.

أبي وأمي متزوجان منذ أكثر من 30 سنةً، وعمر أبي الآن يقارب السبعين، بينما أمي في الخمسينيات من عمرها، المشكلة أن أبي يتهم أمي في عرضها وشرفها؛ فقد كان كثير الشك، ولكنه الآن أصبح بشكل لا يحتمل، يتهمها، ويسبها، ويذلها، ويقول بأنه رآها بأم عينيه تخون، وأن هناك من يخبره في المنام بذلك، وأشياء غريبة أخرى.

الأمر الآخر: أنها عندما تحاول قراءة القرآن، أو قيام الليل، أو أي عبادة تنسيها هذا الضرر يستهزئ بها، ويقول: هل تظنين أن الله سيقبل منك قراءة القرآن؟ ولا يتركها تقرأ، ويجلس أمامها، ويسبها، ويهينها.

وإذا قالت تعال لنذهب لأداء العمرة أو الحج، فإنه يستهزئ بها، ويقول: أنت كذا وكذا، وتريدين أن تحجي!

المهم هو أنه لا يعرف أننا نعلم بأمر السب والقذف؛ لذلك لم نتدخل، وأبي شخص عصبي، ولا يقبل أي فكرة أخرى، ماذا نفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أعانكم الله، وجزاكم خيرًا على حرصكم على مساعدة والديكم في هذا الوضع الصعب.

ما وصفته يشير إلى أن والدك قد يعاني من حالة نفسية تؤثر على سلوكه وتفكيره، مثل اضطراب البارانويا، أو الذهان، خاصةً أن الاتهامات غير مبررة، وتستند إلى أوهام، أو رؤى في المنام.

الحلول الممكنة للتعامل مع الموقف:

- من الضروري إقناع والدك بزيارة طبيب نفسي، أو مختص في الصحة العقلية؛ لتقييم حالته، فيمكن أن تنصحوه للذهاب للطبيب للاهتمام بصحته العامة، أو محاولة علاجه من الأرق، أو اضطرابات النوم إن وُجدت، والطبيب يمكن أن يقدم تقييمًا لحالته، ويوصي بالعلاج المناسب، سواءً كان دوائيًا، أو علاجًا سلوكيًا.

- في مثل هذه الحالات، سلامة والدتك وأفراد الأسرة الآخرين يجب أن تكون لها الأولوية، إذا كانت والدتك تشعر بالخطر، أو التهديد، فقد يكون من الضروري النظر في حلول مؤقتة كالبقاء عند أحد الأبناء أو الأقارب لحين استقرار الوضع.

- قد يكون هناك شخص من الأقارب أو الأصدقاء الذين يثق بهم والدك، ويمكنهم التدخل بطريقة غير مباشرة لإقناعه بالذهاب للعلاج، أو للتحدث معه عن مخاوفه دون أن يشعر بأنه مُهاجم.

- بالرغم من أن والدك قد يستهزئ بوالدتك عند محاولتها ممارسة العبادات، يجب عليكم كأبناء دعمها، وتشجيعها على مواصلة التمسك بالدعاء والقرآن، مع تخصيص وقت لها لتقوم بذلك بعيدًا عن والدك إن أمكن.

- يمكن الاستعانة بأحد المشايخ الموثوقين الذين يمكن أن ينصحوا والدك من الناحية الدينية والشرعية؛ فقد يكون من الممكن إقناعه بالحج، أو العمرة، أو التواصل مع أحد الدعاة ليقدم له النصيحة في هذا الشأن.

- الاستمرار في الدعاء لوالدك بالشفاء والهداية، ودعوة الآخرين للدعاء له أيضًا.

- قال رسول الله- ﷺ-: (استوصوا بالنساء خيرًا) رواه البخاري ومسلم، تذكير والدك بأهمية حسن المعاملة خاصة بعد سنوات طويلة من الزواج قد يكون له تأثير إيجابي عليه.

- الآية الكريمة: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: 19) تُبرز أهمية المعاملة الحسنة للزوجة، وهذا يمكن أن يكون مدخلاً للنصح.

قد يتبادر إلى ذهنكم سؤال وهو: كيف نقنع والدنا بضرورة العلاج النفسي؟

إقناع شخص يعاني من مشاكل نفسية أو ذهانية بضرورة العلاج قد يكون تحديًا، خاصةً إذا كان يرفض الاعتراف بوجود مشكلة، وإليكم بعض المقترحات التي يمكن أن تساعد في إقناع والدك بالعلاج:

- بدلًا من التركيز على مشاكله النفسية، يمكنكم التحدث عن أهمية فحصه الصحي العام؛ كأن تقولوا له: إن الفحص الطبي المنتظم في هذا العمر ضروري للتأكد من أن كل شيء على ما يرام، يمكن أن يُدرج الطبيب النفسي كجزء من هذا الفحص الشامل.

- إذا كان والدك يعاني من أعراض جسدية، مثل: الأرق، أو الصداع، أو القلق، يمكنكم استخدام هذه الأعراض كمدخل لإقناعه بالذهاب إلى الطبيب، أخبروه أن هذه الأعراض قد تكون نتيجة لضغط نفسي أو مشكلة صحية تحتاج إلى علاج.

- إذا كنتم تعرفون شخصًا مرّ بتجربة مماثلة، وتمكن من التحسن بعد العلاج، يمكنكم استخدام قصته لإقناعه؛ قد يُساعد ذلك في تقليل الشعور بالوصمة، ويجعله يفكر في أن العلاج ليس أمرًا غير عادي.

- من المهم التحدث معه بطريقة هادئة ومتعاطفة دون أن يشعر أنه مُتهم أو مُهاجم، يمكنكم القول: بأنكم قلقون عليه، وتريدون فقط مساعدته ليشعر بتحسن.

- إذا كان هناك شخص يثق به والدك: (مثل صديق قديم، أو قريب)، قد يكون من المفيد أن يتحدث معه هذا الشخص ويقنعه بأن العلاج سيكون في مصلحته.

- قد يكون مفيدًا التحدث عن العلاج كوسيلة لتحسين حياته اليومية، وأنه سيشعر بالراحة والاستقرار بعد ذلك؛ مما سيجعله يستمتع بحياته بشكل أفضل.

- تجنب التحدث عن أوهامه أو اتهاماته بشكل مباشر، بدلاً من ذلك، ركزوا على الحاجة إلى زيارة الطبيب للتحقق من صحته العامة وراحته النفسية.

- يمكنكم أيضًا تشجيعه على استشارة شيخ أو عالم يثق به، والذي قد يكون قادرًا على تقديم نصيحة، أو تشجيعه على قبول العلاج.

- قبل محاولة إقناعه، يمكنكم التواصل مع طبيب نفسي للحصول على إرشادات حول كيفية التحدث مع والدكم وإقناعه بضرورة العلاج.

إن عملية إقناعه قد تستغرق وقتًا، وتتطلب الكثير من الصبر والهدوء، المهم هو تقديم الدعم المتواصل وإظهار الاهتمام بصحته دون الضغط الزائد.

وهنا نؤكد على حماية والدتكم في ظل الظروف التي تواجهونها، وهذا أمر في غاية الأهمية، إليكم بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان سلامتها:

- حاولوا أن يكون أحد الأبناء أو الأقارب المقربين معها بشكل دائم أو شبه دائم، خاصة في الأوقات التي يكون فيها والدكم في حالة مزاجية سيئة أو عصبية.

- قدموا لوالدتكم الدعم العاطفي من خلال الحديث معها، والاستماع لمشاعرها ومخاوفها، والتأكيد على أنها ليست وحدها في هذا الوضع.

- يمكن توفير مكان هادئ في المنزل؛ حيث يمكن لوالدتكم الابتعاد قليلاً، والراحة إذا كانت تشعر بالضغط أو التهديد.

- إذا كانت الأمور تصبح خطرة، قد تحتاج والدتكم إلى البقاء عند أحد الأبناء أو الأقارب بشكل مؤقت لحين استقرار الوضع.

- إذا تعرضت والدتكم للإساءة اللفظية، أو التهديد الجسدي، يجب أن يكون أحد الأبناء أو الأقارب موجودًا للتدخل، والحد من التصعيد.

- إذا وصل الأمر إلى التهديد الجسدي، أو تصرفات خطرة، لا تترددوا في التواصل مع السلطات المختصة لحماية والدتكم.

- شجعوا والدتكم على الاستمرار في قراءة القرآن، والصلاة، حتى لو كان ذلك في أوقات لا يكون فيها والدكم موجودًا، دعمها إيمانيًا مهم؛ حتى تتقوى على الصبر.

- من المهم أن يكون لديكم خطة طوارئ في حالة تطور الوضع إلى الأسوأ، مثل وجود شخص يمكنه التدخل فورًا، أو تحديد مكان آمن يمكن أن تذهب إليه والدتكم.

- تأكدوا من أن والدتكم تحتفظ بوثائقها الهامة، مثل: بطاقتها الشخصية، وجواز السفر، في مكان آمن يسهل الوصول إليه في حالة الطوارئ.

- إذا كان الأمر ممكنًا، يمكنكم استشارة طبيب نفسي لتقديم توجيهات محددة حول كيفية التعامل مع والدكم، وحماية والدتكم في نفس الوقت.

- يمكن الاستعانة بمستشار أسري لمساعدتكم على التعامل مع هذا الوضع بطريقة فعّالة.

- قوموا بتعزيز ثقة والدتكم بنفسها، من خلال: التذكير بمكانتها في الأسرة، وأهميتها لكم جميعًا؛ يمكن لهذا أن يخفف من الأثر النفسي للإساءات التي تتعرض لها.

في هذه الأوقات الصعبة، من المهم أن تتكاتفوا كأسرة لدعم والدتكم، وحمايتها من أي ضرر نفسي، أو جسدي قد تتعرض له.

يسر الله أموركم، وشفى والدكم، وحمى والدتكم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً