السؤال
هل يجوز أخذ الفتوى من شيخٍ إذا جالسته لا يُنكر عليّ حلق اللحية، أو ما شابه من المعاصي، ولا يُنكر على الناس بلسانه؟
وإن غلب على ظني أيضًا أنه لا يُظهر المعاصي، لكنه يفعلها في الخفاء مع أهله، فهل يجوز الأخذ بفتواه؟
هل يجوز أخذ الفتوى من شيخٍ إذا جالسته لا يُنكر عليّ حلق اللحية، أو ما شابه من المعاصي، ولا يُنكر على الناس بلسانه؟
وإن غلب على ظني أيضًا أنه لا يُظهر المعاصي، لكنه يفعلها في الخفاء مع أهله، فهل يجوز الأخذ بفتواه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا المفتي عدلاً في نفسه، لا يرتكب الكبائر، ولا يصرّ على الصغائر، جاز استفتاؤه.
وأمّا إن كان فاسقًا بأن كان يرتكب كبيرة، أو يصرّ على صغيرة مقطوع بكونها معصية، فهذا لا يستفتى.
قال المرداوي في التحبير: لا يستفتى الفاسق، ولا يُعمل بقوله. انتهى.
وقال الزركشي في البحر المحيط: وإنما يُسأل من عرف علمه وعدالته، بأن يراه منتصبًا لذلك، والناس متفقون على سؤاله والرجوع إليه. ولا يجوز لمن عرف بضد ذلك، إجماعًا. انتهى.
هذا من حيث أصل المسألة، وأمّا ما ذكرته من عدم إنكار حلق اللحية، فهذا لا يقتضي تفسيقًا، إذ قد يكون المفتي ممن يرى كراهة حلقها لا حرمته، وهو قول بعض العلماء.
وأمّا غير ذلك من المعاصي، فينظر إن كان له تأويل كأن كان هذا الشيء مختلفًا فيه، أو كان له عذر في ترك الإنكار من خوف على نفسه، ونحو ذلك، فلا يمنع ذلك كونه عدلاً يجوز استفتاؤه، وما دام ظاهره العدالة فيجوز استفتاؤه، وليس لك التنقيب عن باطن أمره، ولا البحث عما إذا كان يتلبس ببعض المعاصي في بيته أو لا.
قال الزركشي في البحر المحيط في بيان صفة المفتي: قال النووي: والاحتمالان في مجهول العدالة هما في المستور، وهو الذي ظاهره العدالة ولم يختبر باطنه، وهما وجهان، ذكرهما غيره، وأصحهما الاكتفاء؛ لأن العدالة الباطنة تعسر معرفتها على غير القضاة، فيعسر على العوام تكليفهم. انتهى.
والحاصل؛ أنه لا ينبغي لك التنطع في هذا الباب، ويكفي اعتبار العدالة الظاهرة في المفتي، ولابن القيم كلام جميل، بيّن فيه أنه يجوز استفتاء الفاسق إذا دعت لذلك ضرورة، بأن تعذّر استفتاء غيره، فقد قال -رحمه الله-: وفي جواز استفتاء مستور الحال: وجهان، والصواب: جواز استفتائه وإفتائه، قلت: وكذلك الفاسق إلا أن يكون معلنًا بفسقه، داعيًا إلى بدعته، فحكم استفتائه حكم إمامته وشهادته، وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة والقدرة والعجز، فالواجب شيء، والواقع شيء، والفقيه من يطبّق بين الواقع والواجب، وينفذ الواجب بحسب استطاعته، لا من يلقي العداوة بين الواجب والواقع، فلكل زمان حكم، والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم، وإذا عمّ الفسوق، وغلب على أهل الأرض، فلو منعت إمامه الفساق وشهاداتهم وأحكامهم وفتاويهم وولاياتهم، لعطلت الأحكام، وفسد نظام الخلق، وبطلت أكثر الحقوق، ومع هذا؛ فالواجب اعتبار الأصلح فالأصلح، وهذا عند القدرة والاختيار، وأمّا عند الضرورة والغلبة بالباطل، فليس إلا الاصطبار، والقيام بأضعف مراتب الإنكار. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني